بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         تواجه المسلمين اليوم قضايا كثيرة يعانون أزماتها في حياتهم الخاصة والعامة، وفي مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهم في هذه المعاناة وبسببها يعيشون قلقا يؤدي بطبيعته الفكرية والنفسية إلى الاحتيار في إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي تعترضهم، أو حتى في اختيار الملائم من بين ما هو موجود أو معروض من هذه الحلول.

 

         ويزيد في هذه الحيرة ما يعتمل في النفوس من نزاعات داخل الذات، ثم بين هذه والآخر، وما إلى ذلك مما تجسمه إشكالية التوفيق بين أحكام الإسلام وقيمه ومقومات حضارته وثقافته، وبين مقتضيات العصر المتجددة وما يستبد بها من توجه مادي يبدو بإغراآته أكثر تعبيرا عن الواقع إن لم يكن هو الواقع نفسه، وأقدر على تحقيق المصالح الفردية والجماعية، ثم يبدو وكأنه السبيل لمواكبة العصر واللحاق بركب التطور والتقدم.

 

         وعلى الرغم من أن البحث عما يخرج من التخلف هم يخترم الذين لا يريدون أن يدفعوا الثمن من مكونات هويتهم في مختلف أبعادها، ولا سيما عنصر العقيدة الذي هو الدعامة والأساس، وكذا عنصر اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم ومفتاح فهم الدين، فإن الأمر يبقى رهينا بضرورة النظر إلى مختلف القضايا بفكر تأملي وبرؤية إسلامية تنير الطريق، وتبعد الحيرة، وتعيد الثقة وتعين على الحل، أو على الأقل تفتح مجالا للتحليل والمقارنة.

 

         وقد تسنى لي أن أدرس بعض هذه القضايا، وأنجز فيها بحوثا قصيرة، وأقدم عنها عروضا في مناسبات مختلفة داخل المغرب وخارجه، فتجمع لي منها ما يمكن ضمه في أسفار للنشر، لعل هذا الكتاب أن يكون أولها، على أن يليه إن شاء الله جزء ثان وربما ثالث. وهو يضم عددا من المباحث المستقلة،  لا رابط بينها إلا كونها تنسلك في إطار مشكلات نابعة من الواقع، وكونها كذلك تقدم للتأمل، ثم كونها بعد هذا ينظر إليها برؤية إسلامية ما أحوجنا إلى تعميقها وتعميمها، مما لا شك سيفضي إلى اعتماد ما ستبرزه، سواء على المستوى القريب أو البعيد.

 

         وبالله العون والتوفيق.

 

الرباط في 9 رمضان 1421هـ                                        عباس الجراري

الموافق 6 دجنبر 2000م